Rustin Spencer Cohle

“I think human consciousness is a tragic misstep in human evolution. We became too self aware; nature created an aspect of nature separate from itself. We are creatures that should not exist by natural law. We are things that labor under the illusion of having a self, a secretion of sensory experience and feeling, programmed with total assurance that we are each somebody, when in fact everybody’s nobody. I think the honorable thing for our species to do is deny our programming, stop reproducing, walk hand in hand into extinction, one last midnight, brothers and sisters opting out of a raw deal.” Rustin Spencer Cohle

26/01/2010

في مترو الأنفاق



علاقتي بمترو الأنفاق علاقة سطحية للغاية، فكل الأماكن التي تلزمني استعمال المواصلات العامة كانت لا علاقة لها بالمترو الا عملي الأخير.

كنت استقل المترو الى التحرير (محطة السادات) يوميا ... كنت في طفولتي من عشاق وسط البلد، عندما اخرج من جدران المحطة، اعتقد في سذاجة بلهاء انني سأري نفس الوجوه التي اعتدت رؤيتها في الأفلام القديمة، مرتادي جروبي، او سأري وجوه كتاب او شعراء و ثائرين او انني سأرى سحر خاص لا اعرف اين مصدره، ربما لأرتباطي العاطفي بوسط البلد، فهي تمثل لي ضحكا و دموعا و اشياء اخرى ملهمة و اصدقاء . لذا فقد ظننت ان تجربة عملي بها ستكون تجربة مميزة او على الأقل ممتعة...

تبدأ رحلتي مع المتسولة الجميلة و طفلتها القبيحة.... لا أرى هذه المرأة الا و هي تقوم بأطعام طفلتها او ارضاعها.. صدرها العاري يشعرني بالبرد احيانا.

يذكرني المترو دائما بالحمام ... ففيه ترى كل الممنوعات و الموبقات احيانا....

قررت عدم اللجوء الى الحل الأسهل وهو ركوب العربة المشتركة، فبدون نقاش التصق الملايين بظهري، و لا ادري هل تحول جميع المصريين الى عشاق للمناطق الخلفية ام انني – كما سيبرر الجميع - ارتدي ملابس فاضحة و "الشباب تعبان".
بغض النظر عن الأحتكاك الخلفي يوجد احتكاك الأصابع .... للمصريين خيال مريض فعلا و كأنه ان لمس اصابعي فقد ارتاح و زالت هواجسة المريضة... او التتنيح الى وجهي حتى يتمم خيالاته الوضيعة و التي تجعل وقوفه متزنا مهمة انتحارية مؤلمة... فتحول وقوفي في المترو الى محاولة للهرب... الأعمدة الحديدية فاشلة و التصاق ظهري بالباب المواجه لباب النزول هو الحل.. و لكن الفرصة للوصول الي الأبواب اشبه بالمستحيل.

في احد الأيام سمعت رجلا يقسم لصديقه انني لست مصرية، لا اعرف بسبب ملابسي التي تميل الى الشكل الأهبل، و هو لمن لا يعرفه شكل يميل الى التغطية، كما يبدو في الرداء الهندي، أم بسبب شعري الذي لا أجيد تصفيفه، حاولت جاهدة ايجاد حلا للحد من النظرية التي تربط بين عدم تغطيتي لشعري بكوني انتمي للفئة الأخرى من المجتمع.....ربط اي امرأة ترتدي ملابس تكشف ذراعيها مثلا بكونها من القلة الدسيسة و بالتالي ربط ملبسي بمشروعية التحرش بي.
بعد ان اقسم له انني اجنبية، لم احاول خلع نظارتي او الألتفات، في محاولة لتأكيد صحة ابتكاره... و ظننت يااااه ... لن يقترب – تجلي لسذاجتي مرة اخرى - و لكنه اقترب و التصق بظهري بعد محاولة فاشلة للهروب و هنا انفجر صوتي في رعب شديد (بعبارة اقرب الى الردح لا داعي لذكرها) .... فبمنتهى الصراحة... اخشى المتحرشين، فعندما تسيطر فكرة وضيعة على عقل شخص ما و يستجيب برد فعل وضيع ايضا فهو في رأيي في حالة انفصال عن الواقع للحظات لا يرى فيها سوى هدفه.. ايا كان هذا الهدف....وهذا مخيف.

و كانت هذه اخر قفزة في العربة المشتركة.... ليس فقط بسبب التحرش، و لا لأنني مللت النظرات السخيفة و التعليقات الأسخف التي لا حد لها حتى من العجائز .. ولا بسبب صدمتي من عدم وجود رد فعل من اي رجل في العربة .. او حتى امرأة، و لكنه فقط الخوف.
في بلدنا يتبنى الجميع مبدأ... ( اللي تنزل تشتغل تستحمل) ... بالطبع لم اطلب ان يقف احدهم لأجلس، و لا ان يتركني اغادر العربة قبله.. فهذه التفاهات ليست الزامية لا تهمني ولا تفرحني اصلا و لكن ان كان المطلوب احتمال السخافات و اشارات الأصابع الحقيرة و الكلمات الأحقر، ناهيك عن نظرات التشفي المقززة من السيدات او القبيحات، و كأن الجمال عار يجب اخفاؤه او كأنني يجب ان اخفيه ان كنت متضررة من التحرش..... فشكرا.

في عربة السيدات ترى ما لا يمكن لأي رجل تخيله، انفجر ضاحكة في بعض الأحيان حتى انهم ينظرون اليَ على اني كائن فضائي، و لكنني اتابع الضحك...بلا توقف.
اضحك من نفسي عند محاولتي استنكار ما يحدث لأجد كلمات انجيليزية خارجة تخرج من فمي لترسم على و جوههم الكارهة علامات احترام خائفة ... فأعاود الضحك..

يصفني البعض بالجرأة الى حد الوقاحة.... ازدادت غرابة البنات المصريات خاصة مستعمري الطبقة الوسطى. تناقشت فتاتان حول قضية لون عيناي و ان كانت عدسات لاصقة.... وان كانت تتماشى مع لون شعري وكيف ان اسراء جارتهم منتقبة بسبب جمال عينيها. كنت استمع للحديث، و اذا بأحداهم تنظر اليّ رافعة صوتها في نبرة تهديدية  ناظرة الى صديقتها و ترمقني بطرف عينهيا
* في حاجة يا سمر؟؟؟
اصلك بتبصيلي....
ابتسمت ابتسامتي البلهاء مرة اخرى ....
انفتح الباب... ظهر بعض الفتية.... نعتني احدهم بكلمة وقحة..
لم التفت و لم ينقذني الباب.

بغض النظر عن كل ما يقال او يذاع من احاديث عن النقاب و كونه ليس من الدين و تاثيره على المجتمع، فكل هذا محض رفاهية، فالشعب المصري يرى في المرأه المنتقبة .. مرأة حقة، محصنة.. تحترم انوثتها و تقدس جسدها.
و ان وقع الأنسان المصري في اختيار لمساعدة او حب او تقدير او تعضيد، سيختار المنتقبة,, فما بالك ان كان سيختار بين مساعدتها او احترام امرأة تبدو - مثلي-..

كنت اقف ممسكة بالعمود الحديد بجانب فتاة جالسة على طرف المقعد و تقرأ في كتاب ما بكامل تركيزها ... ثم بين الفاصل الأعلاني بين المحطات دخل كائن انثوي مكفن في الرداء الأسود -لست ادري عقدها العمري طبعا- ووقفت بجانبي لأتوسط ذات الرداء و ذات الكتاب.
مرة اخرى التقت عيناي بلوحة االمحطات في محاولة استجدائية لجذر الوقت السخيف....
ينفتح الباب, تغادر الفتاتان: .... "على فكرة انتي مزة"....
تقف الفتاة بجانبي ممسكة الأسطوانة الحديدية، تشاور للفتاة المنتقية لإجلاسها....
تمنيت فعلا لو انقذني الباب.

دعاء الركوب:
من اولى النصائح التي توجه الى اي اجنبي او اجنبية قادم الى مصر هي تجنب الأتصال بالأعين، فالشعب المصري متطفل جدا.. تجد الجميع ينظر بل و يبحلق، و بالتالي اتبعت هذه النصيحة ايضا، اضع نظاراتي الطبية ولا احاول النظر الى ايا كان.
ينظر البعض الى الفرد المختلف نظرة امتعاضية سخيفة، كأن الأخر هو سبب تعاسة الجميع، و لكن بعد هذه المفارقة.... ازدادت النظرة الأمتعاضية..

* السلام عليكم يا جماعة
*** يتمتم البعض رادين التحية
* نقول مع بعض دعاء الركوب:
بسم الله
الحمد لله
سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ
وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ
الحمد لله الحمد لله الحمد لله
الله اكبر الله اكبر الله اكبر
سبحانك اللهم
اني ظلمت نفسي فأغفر لي
انه لا يغفر الذنوب الا انت...

لا اعرف لماذا اود لو ان تنشق الأرض و تبتلعني في هذا الموقف.. كما قلت تزداد نظرات الأمتعاض بل و الأشمئزاز من كوني دخيلة على هذه الوصلة من التدين الساذج..
يرن جرس تليفوني في اغنية صاخبة لشاكيرا.... ينفتح الباب و استنشق نسيم العنصرية.

امرأة في اوائل اثلاثينات.... تبيع بعض الشرابات الحريمي... الـﭬوال
تشتري منها امراة في اوائل الثلاثينيات ايضا، ترتدي ملابس يبدو جدا انها باهظة الثمن و حذاء يتكتك تكتكة موسيقية لذيذة، تخلع حزائها، و تخلع الشراب القديم... ثم تجلس عارية القدمين الى ان تفك الشراب الجديد من علبته .... و ترتدية..

الأداب العامة اختزلت في تغطية الوجة و الرأس و العقل, لم اُذهل كثبرا مما رأيت، و لكني شعرت ايضا ان حتى التفاتي لحدث كهذا يبدو متفرد وان عربة السيدات تعني ان يتخلى الجميع عن مباديء الأداب و اللياقة، ثم تيقنت بأن تلك الأشياء ايضا نسبية و لكن المنظر العام لم يبدو كما بدا سيكون.
التفت بعيدا لئلا ابدو مرة اخرى كالكائن الفضائي الدخيل... ففوجئت بأمرأة ممسكة بمرآة و ملقاط تقلم حواجبها...
وهنا كان يجب ان ينقذني الباب.

المرأه عموما لا تخجل التعري امام إمرأه مثلها... ففي جميع الثقافات كانت حمامات النساء مكانا لتبادل الحكايات و قد كان العري قديما ليس بنفس الشأن المتعارف عليه الأن..
في المترو رأيت امرأة تحمل طفلا صغيرا و حان وقت اطعامة... من صوت الأكياس و الخربشة المزعجة و لقائي بوجهها عرفت انها ستقوم بأرضاعه, فأشحت وجهي لتجنب احراجها...
و لكن الغريب انها قبل ان تبدأ.... (كنت اجلس امامها) بسبست لي منادية و قالت:
*هو انتي مسيحية....؟؟
ابتسمت ابتسامة ازبهلالية موافقة..
*قالت: ممكن متبوصيش لغاية ما أرضعه...
تباعت ابتسامتي البلهاء ووقفت من مكاني و اعطيتها ظهري...
ردت عليها امرأه اخرى: مفيش مشكلة مادام ست زينا
*ردت هي: معلش اصلي كنت منتقبة
ردت المرأه: و ايه المشكلة
*قالت: اصل جوزي .....
و انفتح الباب اخيرا و انقذني من استكمال الحديث عن ناظر عزبة الحريم... زوجها.

كانت اجواء المحطة ما ان فتح الباب هي مكان انفجار ضحكتي الساخرة.. الساخرة جدا, كتمت ضحكتي سريعا..
شعرت ان احشائي ستنفجر من كتم الضحك, اندمجت مع الأغنية في اذني 3Doord Down… She don’t want   the world …اعادني المارة من سائحين الى احتمالية فردية ما رأيت .. التقيت بأجمل وجه صباحي في وسط البلد... بائعة الفلنات الضاحكة دائما.. ابتسمت ثانية... لمس احد المرضى صدري، لم التفت ... رميتة بعلبة البيبسي .. اوقفت التاكسي و ما ان دخلت حتى تابعت  الضحك... ظن السائق انني اتحدث في الهاتف.
بعد نزولي، مازالت الأغنية ترن بأذنيّ، التقيت بأظرف وجوه وسط البلد.. العجوز الشمطاء ذات الفستان الأصفر.. ثم بواب العمارة الذي توقف عن تحيتي ()صباح الجمال) في رمضان.

مترو الأنفاق... اعمق الأهانات التي وجهت الى نفسيا، اكثر الأماكن عنصرية ارتدتها في حياتي..
لست ادري ان كان هذا تفكيري وحدي و لكنني لفترة ليست بعيدة, ارتبط التطرف و العنصرية بذهني بالرجل, لم اتوقع او بدقة اكثر لم اربط اي تفكير للعنصرية بالمرأة , وخاصة في المواصلات العامة!!و اقصد المرأة الراشدة, لأن الأطفال يعكسون عنصرية طفلة مستمدة من الأهل و حصص الدين...
لكن المرأة ... الفتاة في سني, السيدة العجوز في عمر جدتي, المرأه الحنون التي تذكرني بأمي.. لم اربطها ابدا بأي ميول للكراهية او الحقد و التطرف, و قد اثبت المترو ايضا ضيق افاقي بل و سطحية نظرتي.

لا ادري لم يصر مجتمعنا على الأهانة, و خاصة اهانة الأخر.
الرجل يكره المرأه, و المرأه تكره الرجل و الأثنان يشتركان في كره اصحاب كل نقاط الخلاف الأخرى و الجميع في النزاع يميل الى الأهانة، المرأة تمارس نفس القهر المجتمعي على نظيراتها، كلهن مجرمات في حق أنفسهن أولا .. النساء قبيحات جداً في هذه العربة. 



December 2007

2 comments:

  1. مفيش تعليق فى دماغى مناسب ..يمكن عايز اعلق و خلاص علشان اقول انى قريت و مقدر اللى بتشوفوه..مسيرها تنضف البلد ديه..علشان المصريين يستاهلوا احسن من كده..وعجبتنى الاغانى القديم جدا :)

    ReplyDelete
  2. And my mother wonders why I never ever take the subway! Now after those hair cutting incidences she is no longer wondering....

    ReplyDelete