Rustin Spencer Cohle

“I think human consciousness is a tragic misstep in human evolution. We became too self aware; nature created an aspect of nature separate from itself. We are creatures that should not exist by natural law. We are things that labor under the illusion of having a self, a secretion of sensory experience and feeling, programmed with total assurance that we are each somebody, when in fact everybody’s nobody. I think the honorable thing for our species to do is deny our programming, stop reproducing, walk hand in hand into extinction, one last midnight, brothers and sisters opting out of a raw deal.” Rustin Spencer Cohle

27/10/2022

راستن كول vs جاندالف ذا جراي

 

الجمعة 30 سبتمبر

أشتقت كثيراً لهذه المدونة، ولكني مازلت لا أعرف لماذا اخترت اليوم أن أعاود الكتابة عليها. ربما لإنني وفضاء الفيسبوك مللنا بعضنا البعض وربما لإنني أحتاج أن أختبي في هذه المدونة إلى سنواتي الماضية أو إلى بعض من العزلة. ربما أود أن أختبيء من زحام الحياة كلها. أو ربما لإنني أريد الإعتراف لنفسي بما يدور برأسي وأخشى الإعتراف به. كهذه اللحظة مثلا، إذ أعرف أن لا زحام في فيسبوك ولا بالعمل ولا بالمنزل يؤرقني قدر هذا الزحام برأسي. تلك الأفكار التي لا تتوقف عن التناحر فلا أهنأ بلحظة واحدة من السكون ولا أهنأ بفكرة واحدة تتبلور بعقلي لأسطرها هنا. أتصور أنني ضقت بالعمل وبالفراغ الإلكتروني فتزاحمني فكرة أخرى أو حقيقة أخرى، أنني في الواقع مللت وأختنقت بأفكاري.

لا أعرف لماذا أكتب هنا، ربما لإنني دائما ما خفت أن يظن أحدهم أنني أستطيع الكتابة. أهرب إلى هذا الفضاء حيث تبدو كلمة تدوين بعيدة عن الكتابة. أخشى أن يظن أحد أن تلك الكلمات المتراصة تعني موهبة ما. أود أن تظل هذه الكلمات محض مناحرات برأسي المكتأب، كشريط تسجيل "سف" تحاول جاهدا أن تتبع كلمات أغنياته. أود أن تظل هذه الكلمات هنا مجرد تعبير خالص عن كآبتي وحزني. عن تخبطي وخوفي لتظل هنا، في هذا الفراغ الألكتروني، إلى المنتهى شاهد على حقيقة هذة الحياة الكريهة.

أهرب من أفكاري كل يوم ألف مرة، وتعاود هي التشبث بي. تتحداني، تدق فوق دماغي ألف مزمار تطلب الخروج، فأكتب جملة هنا وسطر هناك عل هذه الشياطين تهدأ برأسي.لا تهدأ الشياطين ولا أستطيع أنا الصمود كثيراً فأحاول النوم.. وأفشل .. فأكتب.

أكتب ربما لإنني لا أقوى أن اعترف للعالم أنني مريضة بكآبة مزمنة، كآبة تغيم على وجودي كله كوحش كاسر يتحداني رغم أنني لا أواجهه ابداً. تختفي الكلمات من رأسي، في العربية والإنجليزية وأقف مشلولة لا استطيع صياغة جملة واحدة. أتهته في حديث مع صديقتي أو زوجي، فأتوقف للحظات أحاول أن أتذكر ما أريد أن أقول. لا أستطيع أن اتذكر الكلمات فأسكت. ربما الكتابة أسهل من الحديث في أيام مثل اليوم، ولكن ركاكة لغوي وضعف بنية ما أكتب هم تأكيد لفشل رأسي التام، حتى في الكتابة.

أعيش على طرف الحياة. لا أرى فيها من متعة سوى أنني مازلت على قيد الحياة. لم أعد استمتع بأي شيء مما أستمتعت به قبلاً. كنت أحب الليالي القصيرة، الباردة، بجانبي كوب اللبن ومسلسلي المفضل. أقوم بكل الترتيبات اللازمة لأستعيد لحظات السعادة تلك، وأفشل. أقوم بطبخ تلك الأكلة التي أحبها، أنتظر في لهفة حتى أنتهي وحين أنتهي من تناول الطعام لا أشعر بأي رضا، بل ربما أشعر برغة في التقيؤ.. لم يعد أي شيء يعطنى أي بهجة هذه الهوة السحيقة من إنتظار النهاية .. 

لا اعرف ماذا قد ننتظر بعد الحياة، ان كان هناك أي شيء اصلاً. هذا اليقين أن الحياة ستتركني وستحصد أحبتي، يسيطر على كل فكرة في كل لحظة. لا أخرج منه سوى للغناء، الغناء للحياة التي لا تحبني بقدر ما أحببتها. لوقت طويل ظننت وظن البعض ممكن يعرفونني أنني أعيش ميلانخوليا مزمنة. أرى الحياة من خلف وشاح أسود يضفي عليها القليل من الجمال كجنازة في يوم بارد ممطر. يقولوان أن من يعايش الميلانخوليا يفكر كثيرا، يحلل كل الأمور، ويسعى للكمال، بينما أظن أنا أنني أعيش حالة من البؤس الخالص الذي لا مفر منه. لا أتوقف لحظة عن التفكير، رسم السيناريوهات، لا أتوقف عن العمل، عن الإهتمام بالأخرين حد المرض، احاول مراراً أن أتوقف وعقلي للحظات قليلة جدا عن التفكير، أو الشعور الدائم بإن عليّ فعل شيء ما، أنني نسيت شيء ما، انني قصرّت في مهمة ما، دون أدنى نجاح. أعيد كرة يومي كاملاً في أحلامي حيث أكمل مهمام العمل، أكتب، أطلب المشتروات، إلى أخره. أستيقظ حين أفشل في إنهاء مهمة ما، لإنام مرة أخرى وأفشل مجدداً.

 

راستن كوول

 ربما أكتب لإنني أود أن أتخلص من الأمل. الحياة تصارعني وأصارعها. تقتلني كل يوم وكأنها عدوتي اللدودة. أنا ورأسي كقضبان قطار، أحدهم راستِن سبِنسر كووَل والأخر جاندالف ذا جراي، تستضيفهم روحي التي تعذبها ميلانخوليا سوداء. يتصارعان كأعتي نقيضين فلا أعد أعرف من أنا. اليوم أود أن أتخلص من جاندالف ذا جراي. أتساءل يومياً عن ماهية الحياة، عن معناها وعن المعنى مجرداً. قضيت عاماً كاملاً انبش عن المعنى في كل ما أفعل، عن معنى الوجود ووجودي خاصة. عاماً في خلوة أتعرف فيها على ذاتي، وظننت أنني عرفت. ظننت أنني وضعت يدي على تلك الكلمة السحرية ولكن كان للحياة رأي أخر.

ما هي الحياة سوى لحظات منفصلة من محاولات بائسة للحد من الألم؟ ملهاة لا نهائية من التعاسة لا حول لنا ولا قوة فيها سوى رغبة واحدة، ألا نتألم.. وفي عمق هذه الرغبة يدور كل شيء. في عمق هذه الرغبة يُذهب البعض حاضرهم بدخان، برقصة، بالجنس، وبينما يحاول هؤلاء هناك بعض أخرين - أكثر بؤساً - يحاربون الحياة وقوانينها. سنوات تمر وأنا في أدور في فلك هذا البؤس، أحارب معطيات الحياة بينما أغرق في حبها كل يوم أكثر. كل يوم بل وكل ساعة من هذه الحرب أصل ليقين أن هذه الحياة لا معنى لها، مجرد سلسلة طويلة من العبث اللانهائي، لا نهاية لها ولا بداية. خط طويل من اللاشيء والذي يحدث خلاله كل شيء. لا أعرف لماذا لا يرفض جموع البشر الموت؟ أعرف أن هذه الفكرة لا معنى لها أيضاً ولكن ربما، هناك أمل ولو متناهي الصغر، ان قمنا جميعا، رافضين الموت، معلنين أننا لا نقبل أن تنتهى بنا هذه الملهاة البغيضة دون رغبة منا، ربما وقتها سيتغير شيء ما؟ لا أعرف لماذا نقبل الموت، ولا أعرف ما قد يمكن أن نفعل أن رفضناه جمعاً ولكنني أعرف أنني لم أقابل شخصاً قد يختار الموت أن أٌعطي الأبد. 

شاهدت منذ أيام مسلسل إله الحلم، والذي أعطى - بمساعدة أخته - عمر لا نهائي لأحد البشر، والذي لم يمل من الحياة كما توقع الحلم. انا أيضاً لن أمل الحياة، ولا أظن سيمل أحبائي. كيف يتصالح أي منا مع الموت إن كنا لا نعرفه، وكيف نتصالح مع تصور أن هذه النهاية هي نهاية كل شيء. ما معنى الحياة إذ تنتهي؟ ما معنى كل شيء إذ ينفذ، يختفي، لا يعد موجوداً. 

ما معنى وجودنا دون بعضنا البعض؟ هل وجودنا هو نتيجة حتمية لخبرات أباءنا، أم انه مزيج من خبراتنا ومن الأشياء التي نتعلمها في الطفولة وطوال رحلة الحياة؟ هل نحن القناعات والأفكار والمبادئ التي نحاسب أنفسنا عليها؟  قبل كل شيء أعتقد أننا في الأساس ما نعني للآخرين. قبل كل شيء ، أنا ابنة وأخت وخالة وزوجة. ماذا نكون أن لم يكونوا الأخرين؟ كيف نتعايش مع الخواء الذي يتركه هؤلاء اللذين وجودهم هو جوهر وجودنا. في كل رحيل، تختفي كل هذه اللحظات اتي عشناها مع الأخرين، ينتهي هذا الجزء من وجودنا، ويحل محله خواء لا يجدي معه الصبر. ماذا قد أكون أن رحل احبائي؟ أنا منذ نظرت هذا العالم، إبنة. منذ لحظة الوجود، هذا ما نحن عليه، أبناء .. ماذا الذي قد يملأ خواء كهذا؟ حتما لا شيء سوى الحزن. لو أن هناك تقنية حديثة تجلعنا ننسى من رحلوا عنا، تجعلنا ننسى هذا الجزء من وجودنا، ونصير ما لم نكن، لأخترتها فوراً إن رحل احبائي. يقولون تعيش الذكرى، وهذا محض غباء لا معنى له نساعد به أنفسنا في عقلنة اللامعقول. تماماً كما خلُص البشر الى مقولة غبية وهي أن الموت هو الحقيقة الوحيدة. أحتقر كل ما قد يعطي للموت معنى فلا هو حقيقة ولا كذبة، هو دمامة الحياة ووجهها القبيح.

يقول فرانسيس بيكون أنه شيء طبيعي أن نموت، بنفس قدر أنه طبيعيا أن نولد. ما الذي يجعل شيء ما أو خبرة ما "أمراً طبيعيًا"؟ هل الطبيعي هو شيء نتقبله لإننا نشعر به ونعرفه؟ أو الطبيعي ما نستطيع أن نوصفه من خلال المشاعر؟ الشيء الذي يجعلنا سعداء هو شيء طبيعي ، الشيء الذي يجعلنا متعبين هو شيء طبيعي، ماذا عن ما يجلعنا نحزن؟ أهو شيء طبيعي؟  لا أعرف شيء قد يسبب الحزن أكثر من الموت. أظنه السبب الأعظم للحزن.  ما الذي يجعل الحزن طبيعيًا؟ تساءلت عما يمكن أن يخلق مثل هذا الشعور الهائل والمروع والساحق من الحزن ، قدر الموت. لا أعرف لماذا نموت ولا أعرف لماذا لا تنكب جهود البشر على شيء واحد فقط وهو ألا نموت. 

 

راستن كوول 2

استيقظ قبل بدء ساعات العمل بوقت قليل، لا أفكر في شيء سوى شرب القهوة والجلوس إلى مكتبي اتأمل في ملل الدقائق تمر. لم أرد الإستيقاظ، لا أريد العمل، لا أريد أن أتحدث للبشر عموماً، لا أريد شيء ولكن ها نحن ..

منذ قرب العام أهملت حديقتي الصغيرة، لم أعرف كم اصابني عزوفي عن أشجاري هذا من حزن إلا حينما أدركت فجأة ذات يوم إنني لم أر أشجاري منذ شهرين. أجلس كصنم أمام المكتب أراقب الإيميلات تتساقط في بالوعة الإنبوكس كأمطار شهر نوفمبر في طفولتي. أفتح هذا الإيميل المرسل اتوماتيكياً: طفل يموت كل عشرة دقائق في اليمن، الكوليرا وحمى الضنك في إزدياد. أعيد تحميل الملف في فولدر اليمن، ليجلس في راحة أبدية مع ملفات تعيسة أخرى. لا اتأمل تحليل الوضع، ولا الملف، ولا أخبار اليمن .. أرُصها برأسي بجانب أخبار جنوب السودان والكونغو كينشاسا. أضغط على السهم لإيميل اوتوماتيكي أخر عن أخر اخبار جنوب السودان واخر اخبار بلوة المناخ في الصومال. أنتهي من القهوة وأركض نحو المأمول. نعم، عليّ - كما باقي العباد - أن ابدأ يوم عملي الذي يستمر 12 ساعة يومياً حتى لو ابتدأ بأخبار مريعة يجب أن يتوقف عندها العالم كله. المأساة هي جزء من وجودي الأن. أنا والمأساة اصبحنا كتلة واحدة، صماء، لا تتحرك. اليوم عليا أن أراجع 6 مشاريع وثلات تقارير وأقوم بثلاث جلسات من التوجيه التقني لشباب المأساة. أقوم بعملي بمنتهى التفاني، وكأنني أنا والمأساة لا نعرف بعضنا البعض. أستيقظ على نفس السؤال كل يوم، ما فائدة كل هذا؟ ويرد رأسي الغبي: ربما أن هناك فائدة. كل يوم أردد لنفسي "مفيش فايدة"، ليحاربني صوت أخر وكأنه يتحداني "يمكن في". يمكن في، هذا النير فوق رأسي، يجرجرني كل يوم، كل صباح محاولاً إقناعي أنه ربما سيتغير شيء ما. اقول لنفسي أن هذا الطفل هناك في هذا البلد البعيد قد ترك الجيش والأن يعيش حياة أفضل، ثم أسأل نفسي، أين؟ هذه الأرض لا يوجد بها أفضل .. مازال هذا الطفل يعيش في جنوب الكرة الأرضية، حيث ندرة الغذاءـ النزاع المسلح، والأوبئة .. نير السوداويين هو الأمل.

 

ربما هي الميلانخوليا، أو أنني برج العذراء، أو أنني تربيت في بيئة تشجع التفكير والتحليل والنظام، وربما هي رأسي التي لا تتركني، ولكنني أعرف أن هذا الماراثون برأسي يساعدني كثيراً في عملي، تحليل الصراع، العمل على انهاء الأسباب الجذرية للعنف ضد الأطفال في الحروب، مركزيو جماية المدنين، كلها أشياء أبرع فيها بسبب طاقة التفكير التي لا تنتهي. نفس الطاقة التي تأخذني إلى هوة سواد البشرية، إلى اقذر اعماق عنف الإنسان، تأخذني إلى الوحشة حيث أنا فقط هناك وطفل صغير لم أستطع أن أنقذ، حيث أنا والعالم نتناحر، انا هنا ألطم وده العالم كل يوم أطلب منه أن ينتبه، أن يتوقف .. دون جدوى. أظن اننا نموت حقاً في كل ثانية يُقتل فيها طفل بينما أنا وأنت والأمير تشارلز نشرب الشاي دون التفاتة واحدة.

 

جاندالف

أي فائدة؟ لا أعرف. ولكن جاندالف برأسي يملأني كل يوم بأمل ما .. يستعبدني الأمل، فأنا لا أريده. يأتي كل يوم في صورة مختلفة تغازل بحثي عن المعنى .. أسأل نفسي كل يوم هل تحول وجودي ومعناه  إلى مجرد ترس في عجلة من فشل الإغاثة الإنسانية؟ أحارب كل يوم افكار التفوق العرقي وعُقد المواطن الأبيض منقذ العالم. أستمع لزملائي في هذا الإجتماع يتساءلون عن القدرات التقنية للشركاء المحليين وفي نفس الوقت، يرددون التزامهم بمحلية العمل الإنساني. اتساءل في تململ واضح أن كان الشركاء المحلييين يواجهون صعوبة في الإنخراط في "السيستم" فربما المشكلة هي السيستم وليست قدراتهم التقنية؟ يقول لي رأسي الجاندالف إن هذا هو الأمل. أن وجودي في هذه الإجتماعات، بتعلقياتي السوداوية ولساني اللاذع، هو الأمل .. أضحك على نفسي ومن نفسي كأن كأباتي ستغير العالم. لا أظن، ولكن جاندالف.. لا أعرف معنى أخر للحياة سوى أننا كبشر، نتشاركها ولإننا نتشاركها، علينا ان نعمل من أجل بعضنا البعض، من أجل الأمل، الحب، من أجل الحق في الحياة، في الحماية، في التعليم.. لا أعرف معنى للحياة ولكنني أعرف ان معناها يجب ألا يرادف الظلم والعدوان .. أيا كانت المأساة، فنحن هنا، فوق هذه الأرض .. كيف تستمر الحياة بينما يجري بعض النازحين هنا وهناك هرباً لحياتهم.

يقول فيكتور فرانكل في بحثه، وربما بحثي أنا أيضاً عن المعنى، ان "كل شيء قد يُسلب من الإنسان، ماعدا حريته في اتخاذ موقف محدد في ظروف معينه، حريته في اختيار طريقه الخاص". لا أعرف ان كنت حرة بعد اليوم. أخترت طريقاً منذ أكثر من عشرة سنوات وأشعر أنني اليوم مكبلة ببحثي عن المعنى، مكبلة بطريقي الخاص، بالمسئولية التي تحدث عنها فرانكل، مكبلة بالأمل أننا غداً سنكون هنا على هذه الأرض الخربة، نعمرّها. 

يبدو الوضع في قمة العبث حين يقول لي أحدهم أن حديثي معه يبعث على الأمل، أو أنني ألهمته/ـا للقيام بشيء أو مغامرة ما. اضحك من نفسي ومن هذا الجاندالف البائس برأسي، وكأنه يأبى أن يدمر عقلي بسلسلة الأمل تلك، فيقوم - من خلالي - بإلهاء الأخرين. قالت لي صديقة عمل ذات مرة أنني ألهمتها. قلت لها انني أضحك من هذه الجملة، تذكرني بالحملات على فيسبوك والتي تظهر بعض الأشخاص والسعادة تبدو على وجوههم والنشاط قبل أن يقوموا بإنهاء حياتهم بأيام قليلة بسبب الإكتئاب. لا أعرف لماذا قد أكون سبب في بعث أمل من أي نوع على أي شخص سوى بسبب هذا الجاندالف بعقلي، والذي أكرهه.

------

اليوم أفكر في أحدى صديقاتي. فقدت شخص عزيز لديها ولم أستطع أن أقول أي شيء. أتوحد بمشاعري من أحب حتى أنسى من أكون. يأكلني الحزن وكأنني هناك داخل أجسادهم. أتذكر جيدا حين كنت هناك، في لحظة عشوائية من الزمن أساعد تلك الطفلة المسكينة تنطر هذا الطفل الميت من أحشائها حتى أتممنا معاً المهمة، خرجت من الغرفة وفي نفس اللحظة سقطت. لإسبوعين بعد هذه الحادثة كانت أحشائي تتمزع وكأنني أنا من كانت تلد. ربما لهذا السبب قررت ألا أركز عملي على العنف الجنسي. العنف ضد الأطفال أكثر قسوة، لا أعرف. اليوم يزورني طيف صديقتي وألامها. قررت أن أطلب أجازة وأشاهد ملك الخواتم، حيث جاندالف، والأمل. 

 ------

اليوم اتأمل كارثة المناخ وأطفال الحارة. كل يوم أواجه الله بسؤال عن المساواة. نفس الإله الذي عقدت معه شراكتي في بحثنا عن المعنى. الأطفال لم يولدوا متساوون أبداً. هناك طفل بائس حزين ولد لإمرأة يزيدية اُغتصبت وتركته على أعتاب الموصل، لتصل أخباره إلى مكتبي وأجدني أجري يمينا ويسارا أحاول وزملائي أن نضمن له يوم أخر في هذا العالم. كيف يتساوى هذا الطفل مع اي طفل أخر في العالم. التعاسة والظلم البين هذا لا مفر منهم. يأكلني هذا الشعور بالعجز، بالظلم. اتساءل لماذا لا يتوقف العالم. كيف أستيقظ كل يوم ويستيقظ معي العالم دون أدنى مبالاة بكل هذه التعاسة.

مثل فولدمورت اترك جزء من روحي في كل مأساة أو كارثة عشت فيها أو عايشتها عن قرب، حتى أن روحي صارت مُهجرة، لاجئة، مشردة في مخيمات، لا حول لها ولا قوة. في كل لحظة أترك جزء من روحي مع أحبتي، حتى صارت روحي مريضة، عجوز، بلا أمل، بلا رغبة في أي شيء. هذه الكتابة ليست مرثاة لنفسي أو لروحي المهشمة أو لبحثي الحثيث عن معنى، أنها فقط تجسيد لمسألة الوجود التي لا تترك رأسي. لإسئلة المرض النفسي الذي ينهش أجسادنا الصغيرة. ربما وُلدت بصك كتب عليّ فيه الميلانخوليا والكآبة السوداء، أو ربما تقسو علينا الحياة أكثر مما يجب، أو ربما أننا في طفولة منا مازلنا نحاول .. دون فائدة.

 

هل نكره هذا العالم أم نحبه بلا أمل؟

 

 

12/07/2013

ليالي الكوافير 6




الخلفاوي:
-       التين الشوكي ده بيتزرع في حتت معينة ومسيطر عليها بقى حضرتك الوحوش بتوع السوق، انا اقولك اهو اني بعتها من يدوب كام سنة بعشرة صاغ، بس هعمل ايه يعني .. اهو مش هعرف أخسر. زيه زي الدرة السنة دي، طالعين حاميين، بس هينزل على شهر تسعة. صباحك احلى من عيونك..
-       قولوا لعين الشمس متحماشي
أصل يعني يا أستاذة لو أتغمينا عنموت م القهر، وكفاية القهر اللي احنا فيه، العين بصيرة والأيد قصيرة، ومفيش بأيدينا حاجة نعملها، لا احنا قاعدين بنجزجز لب ولا بنتسلى، احنا بس اياك الناس عاوزانا نبطل حتى الغنوة .. بكفاية اللي شايفينه يعني، «شقق الكعوب ده مش م المشي في العصاري ع الكورنيش» ..
رمسيس:
"بت يا ناهد، بتعملي ايه يا بت؟
الله، يعني انتي شايفة شعري سايح ونايح، أتحريت ياما، القطر حر ياما ارحميني..
طيب مانا قلت لك متلبسيهاش من زمان انتي عملتي خضرة الشريفة ينخفي إسمك."


هناك،،،،
محمد: يا ستنا، الشعر الطويل محبوب، لو قصتيه هتزعلي عليه، أنا عارفك كويس، دي عشرة عشر سنيين يعني، وبعدين سرحيه مرة في الإسبوع وابقي تعالي أنا هسرحهولك وقت ما يقرفك أوي. لو قصتيه وزعلتي مش هيطول.
لأ، المدام فوق بقى مبقيتش تنزل، أهو الستات ملاعين يعني لامؤاخذة، إنتِ عارفاها ازاي كانت بعقلها ومستكينة قبل الجواز، دلوقتي مطلعة دين أمي، وإكمنها حامل فمطلعة دين أمي أكتر وأنا مش عارف أعمل إيه الحقيقة يعني، أنا مش ضعيف، بس أنا حاببها، وهي أتمكنت، أنا عارف ان بعد التمكينة دي، الفوقة بتبقى وحشة وممكن أطيح فيها .. بس مانيش عارف بقى، أهو بمزاجي وخلاص.
- مَي: إتمكنت منه وفرحان وهو بيقولك أوي، الحب الحب يا سي محمد،، أصل على رأي المووايل، العشق ماهوش هيّن، وهو غارقان في عسل الليل اللي بيطلع عليه بالنهار، عشان بس تبقى تسمع كلام أختك .. أنا قلت لك متغواش وى تسيّب الحبل للدرجة دي وكله بالعقل..

اهلا اهلا اهلا مدام چيزيل، منورة .. قومي يا أمل بقى ورينا شطارتك،،
بنت يا چيچي،، كومون ڤا تشي، وحشتيني خالص...... وماما عاملة ايه..

-مَي "في ودني": بتحبك أوي يا چيچي مدام چيزيل،،، 

من سنة، في نفس المكان: (طنط چيزيل):  أنا بقولك أهو يا بنتي، قدام مامتك وخالتك، إنت لازم تتجوزي مش عشان أي حاجة بيقولوها لك، لا عشان العيال ولا الحب ولا عشان الكلام الفارغ بتاع أهلك مش دايمين لك، ولا عشان بردوا لازم تعيشي مع حد .. كلنا نقدر نعيش لوحدنا، بس لازم تتجوزي عشان تبقي مع واحد، دي حاجة كلنا محتاجينها .. إن كان عليا، اقولك لو تعرفي تعيشي مع واحد شوية من غير جواز أعمليها، بس دي بلد تقرف .. وقدام مامتك أهو وأهي صاحبتي وفاهماني، متضيقيش على نفسك ...

******
آه، هو انا مش قلت لك إن محمد بيفكّر ينزلها تسلي نفسها معانا، أهي بقالها اسبوعين أهي.. والله ما عارفة لها الست دي، حيانا ببقى عاوزة اديها بالجزمة وحيانا بحس انها غلبانة يا عيني وشافت المر.
متقعدش معاكي غير لما تاكل ودانك عن العرسان اللي بيجولها والجواز وانها مرغوبة، وده بردوا بيضايق الزباين،، بينسكفوا ياختي انتي عارفة الناس تكره الرغي. يعني أخر واحد جايلها وجاية تحكي لنا عنه، الكلام يكسف والله. هو اصلا متجوز ومخلّف، بس عاوز يتجوزها على مراته عشان قال مراته شالت الرحم بعد ما جالها مرض وحِش وهو جه يقول لها إنه مش مستمتّع مع مراته عشان الموضوع ده ..
أنا الحقيقة عمري ما كنت أتصور إن أمل تسمح لروحها تاخد وتدي مع راجل في كلام من ده، غير إنه مقالش إنه مبيعرفش مع مراته مثلا، بس الإنّة اللي انا متأكدة منها انه بس عاوز واحدة أصغر من مراته، واهي أمل لسة متمتش خمسة وتلاتيين ..
أنا مرة سألتها إن كانت غاوية حد من اللي بتحكي عنهم ليل نهار دول، قالت أيوة طبعا، جيت اقول لها مين، قالت لي محمود إبن مدام شاهندة،، الظابط،، بسألها هو إتكلم عليكي، بتقول لي لأ،، اصل انا بحبه من طرف واحد ..
بذمتك ده محن نسوان ولا لأ!! .. سابت دول كلهم وراحة تقولك عيني ع الظابط، طيب اصلا هو انتي عينك عليه هتتقدمي له مثلا؟ البت بتعلق روحها في قصص في خيالها اكنها مراهقة. بس صحيح، هو الرحم بيأثر على حاجة يعني؟ مظنيش ولا إنتِ ايه رأيك؟

******
انا عارفة حضرتك، هما كانوا قالوا لي انهم هيسألوكي عن علاج مخفض أيام ما محمد جوزي كان عيان الله يرحمة. محمد ده والله اللي ما كان فيه زيه. أنا مش هتجوز تاني لعلم حضرتك يعني، أنا قررت أني أعيش لشمس إبني، عمه واصحاب اخواتي وناس كتير أوي جربت تحاول معايا بس فيه منهم كتير عاوزين الشقة، بس دي شقة شمس.

يعني عارفة أنا لسة من كام يوم جاي لي اتنين عرسان بس انا موافقتش، وأخر ما زهقت قلت انزل اتمشى ع الكورنيش، كنت لابسة الليجن ده، عارفة على قولة الليجن، أخويا أحمد مطلع عيني عشان بلبسه مع اني بلبس تونيك طويل عليه، ومسلّط شمس إبني يقول له لو شافني لابساه وخارجة لوحدي. أنا بهزأ الواد شمس وبقول له خد بالك خالك ده اصلا اصغر مني وملهوش كلمة عليا، بس بعدين أختي الكبيرة، مدام أم احمد، دي بعتبرها زي والدتي والله، قالت لي لأ مينفعش تقولي لشمس كدة، كدة هيحس انه مفيش حد يخاف منه، يعني لو عمل حاجة مش هتقدري تهدديه بخاله. رحت انا سمعت الكلام، لعلمك انا بسمه بردوا الكلام الصح، رحت قلت لشمس، نمثيل يعني، لا يا شمس متقولش لخالو عشان خاطري وانا مش هلبس الليجن، وعيطت والله بس مش تمثيل، اصل يا اختي قرفت من تدخلهم، ده مكانش عاوزني افرش السجادة النبيتي عشان قال الناس هتقول جوزها لسة ميت وفرشت السجادة..

المهم يا ستي كنت ع النيل والله وجه واحد قعد يحوم حواليا بالنص ساعة، وانا بقى معرفتش قصده، بس جه قاللي والله لو محتاجة حاجة انا جنبك، بس يعني انا قلت له بقولك ايه، سيبني لهمي يا اخويا .. وكملت تمشية..
اصل لعلمك في الليجن انا ببان صغيرة اوي، وانا خسيت .. ببان صغيرة.

******
تلاقيها كلت دماغك، معلش اصلها جديدة وكدة .. السشوار ده جديد من جارنا، أستاذ نادر - اللي عنده البوتيك اللي على أول الشارع - راجل نزيه من زمان وإكمنه رفيّع كدة فمبيكبرش، بس مراته اتبعجرت في نفسها. 

تعرفي؟ زمان بقى أمي حكِت لي إنه كان بيحب واحدة تانية قبل ما يتجوز ابلة فيفي، كان بيحب جارتهم، اللي هي أبلة مُنى، دي بقى كانت وتَكة ولِونة، كانت شبه سعاد حسني ونِغشة زيّها. كانت مقضيّة النهار والليل عند أستاذ نادر اصله ساكن في بيت عيلته يعني وكل البيوت كانت اصحاب هنا. كل الناس أصلا كانوا حذروه من أبلة مُنى، أصل كان واضح إنها عاوزة تتجوز واحد غَني.
بس يا ستي طبعا أبلة مُنى حَلقت له وإتجوزت الواحد الغني زي الأفلام وبعدين استاذ نادر عِرف أبلة فيفي، وإتجوزوا. بعد ييجي عشر سنيين كدة جوز أبلة مُنى مات، فرجعت تلاغي أستاذ نادر، وهو مدهول بردوا وبيندب على بوزه، كانت بتيجي له البيت وابلة فيفي مش موجودة، حتى الناس كلها كانت بتفتكر أبلة فيفي عارفة لأنه الوضع كان غريب. بس في الأخر بعدها ييجي بسنة كدة أبلة مُنى إتجوزت طيار ومبقيتش تيجي هنا الحتة خالص وأستاذ نادر بردوا مطلعش من مولد أبلة مُنى غير بكام ليلة. بس كانت ست لوز، وشفتها مرتين، كان باين عليها إنها بتاخد بالها من روحها .. بس أبلة فيفي حلوة والله ..

بس اصل الحب ده صعب اوي صدقيني، يعني الواحد ازاي يقدر يقاوم حد بيحبه طول عمره، ماهو بيحب ابلة فيفي بردوا بس ابلة منى كانت حب عمره يعني. اصل يعني عادي الناس تحب كذا بني ادم مش مشكل.

******
أستنى أما أشغلّك المهرجانات انا عارفة انك بتحبيهاـ شغلي يا أمل هاتي بوسة يا بت، جنبك.

أهي البوسة دي بردوا قصة. يعني مش اي واحدة ممكن تبوس اي واحد البوسة التمام، ده فيه بنات بتبقى مقضياها تقفيش وتفعيص من فوق الهدوم، بس مش بسهولة كدة تبوس البوسة اللي هيا يعني، اصل البوس كيف في الحب لازم له شوق .. كمان البنات خلاص بقوا فاهمين كل حاجة، يعني فيه حاجات بيعملوها للكيف وفيه حاجات للحب .. زي لامؤاخذة في العلاقات، مش يعني كل حاجة بتبقى خبط لزق، اصل لو الإتنين بيحبوا بعض الموضوع بيبقى مليان عواطف كدة .. ميمنعش يعني يبقى فيه حاجات تانية .. كان فيه زبونة هنا بتخلي جوزها يضربها بكيفها، ولية مجنونة ..

على سيرة العلاقات، كان عندنا قرايب م الفرع المضروب بالنار في العيلة، جه عليهم وقت الفقر نهش كل حاجة فيهم والله، كنا بنحاول نساعدهم بس مهما عملنا الحالة كانت اصعب من المساعدة الراجل اصله كان جاله سرطان ومبيشتغلش، المهم يعني البنت منار بنتهم دي من دوري، كانت بتقولي انها بتسمع ابوها وامها وهما يعني لامؤاخذة، كانوا ساكنيين في أوضة وصالة كدة، البت كانت حافظة اصلا ابوها وأمها بيعملوا كدة أمتى، دي حتى كانت تعرف أمها بتبقى فيظروف كدة يعني امتى، وطبعا كانت بتسرح بقى وتعيش مع نفسها وهي بتتابعهم .. منار دي دلوقتي عندها خبرة ولا اجدعها واحدة، لو تسمعي اللي بتحكيه خدودك تقوّط، بس البت مبقيتش طايقة تتجوز .. الفقر وسخ والله..

انا زمان كنت بقعد أفكر في أهالينا، ان كانوا يعني يعرفوا الحاجات الغريبة دي بتاعت الضرب والكلام ده. بس مرة كنت بتفرج في الإنترنت لقيت رسام قديم راسم رسومات سيكو سيكو كدة عن حاجات غريبة، ففهمت يعني ان مش الجيل بتاعنا اللي ابتدع الكون .. الناس من يومها بتعمل اي حاجة ف اي حاجة .. الواحد بيحس ان الدنيا بقت غريبة، هي باينها طول عمرها غريبة ومنيلة على عينها ..

******
الا انتي ايه رأيك في اللي بيحصل يا چيچي، عارفاكي انا هتقولي لي بلاش يتسجنوا ويتعذبوا بس دي ناس حلال فيها الحرق. عملنا حفلة من كام يوم ع البت أمل. قال يلختي بتقول لنا ان أخوها أمين الشرطة ضد مرسي ونازل يوم تلاتين،وفجأة من كام يوم جالها مكالمة من واحد بيلاغيها كدة باين، وف نص الكلام قالت له إنت كمان مع مرسي؟ اه بقى دا إنت زي أحمد أخويا .. شوفي الولية الناقصة؟ 

لأ انتي ممكن متاخديش بالك، لكن اكمننا في الشارع طول اليوم بنفهم يعني. طيب فاكرة إنتِ سَوسَن اللي إشتغلت شوية هنا أيام شهيرة، البت دي من كام يوم أخوها جابها من شعرها وكان هيرميها من الشباك وكانت عركة كبيرة. دي لو هي مش بتلاغي وماشية دوغري في الشارع مكانتش جابت لنفسها المشاكل وهي عارفة ان اخوها غبي، مش قصدي يعني انها بتخلي الناس يعاكسوها وكلام الفيسبوك ده، لأ،، هنا اصلي الإنّة مُختلفة .. يعني الحتة هنا كلها عارفين بعض، احنا البنات عندنا كلهم معروفين في الشارع، يعني الواحدة بيبقى باين هي بتلاغي ولا ماشية في حالها، مش زي اما واحدة تتعاكس في حتة بعيد عن حتتها من واحد ولا تعرفه ولا يعرفها .. سَوسَن بتشاغل بعنيها، وبعدين الكلام ده بيتفهم .. وهي مبتنكرش يعني، دي كانت بتتراهن ع الشباب هنا في الحتة هي وشيماء اللي قاعدة في محل الأتنين ونص، وشيماء خبّاصة، وإكمنها أخيب من سَوسَن في التعليق، فكانت بتيجي تحكي لنا، آل يعني بتدعي إنها بتاخدها على أد عقلها وأهي تبقى كسبت بونطين، إنها آل ملهاش في الحاجات دي وإنها بتيجي تبرأ ذمتها قدامنا من رهانات سَوسَن .. أصل سَوسَن جات في مرة وفضحتها قدمنا بخصوص رهان كدة علة وليد بتاع محل الموبايلاته  كسبته منها ..