الجمعة 30 سبتمبر
أشتقت كثيراً لهذه المدونة، ولكني مازلت لا أعرف لماذا اخترت اليوم أن أعاود الكتابة عليها. ربما لإنني وفضاء الفيسبوك مللنا بعضنا البعض وربما لإنني أحتاج أن أختبي في هذه المدونة إلى سنواتي الماضية أو إلى بعض من العزلة. ربما أود أن أختبيء من زحام الحياة كلها. أو ربما لإنني أريد الإعتراف لنفسي بما يدور برأسي وأخشى الإعتراف به. كهذه اللحظة مثلا، إذ أعرف أن لا زحام في فيسبوك ولا بالعمل ولا بالمنزل يؤرقني قدر هذا الزحام برأسي. تلك الأفكار التي لا تتوقف عن التناحر فلا أهنأ بلحظة واحدة من السكون ولا أهنأ بفكرة واحدة تتبلور بعقلي لأسطرها هنا. أتصور أنني ضقت بالعمل وبالفراغ الإلكتروني فتزاحمني فكرة أخرى أو حقيقة أخرى، أنني في الواقع مللت وأختنقت بأفكاري.
لا أعرف لماذا أكتب هنا، ربما لإنني دائما ما خفت أن يظن أحدهم أنني أستطيع الكتابة. أهرب إلى هذا الفضاء حيث تبدو كلمة تدوين بعيدة عن الكتابة. أخشى أن يظن أحد أن تلك الكلمات المتراصة تعني موهبة ما. أود أن تظل هذه الكلمات محض مناحرات برأسي المكتأب، كشريط تسجيل "سف" تحاول جاهدا أن تتبع كلمات أغنياته. أود أن تظل هذه الكلمات هنا مجرد تعبير خالص عن كآبتي وحزني. عن تخبطي وخوفي لتظل هنا، في هذا الفراغ الألكتروني، إلى المنتهى شاهد على حقيقة هذة الحياة الكريهة.
أهرب من أفكاري كل يوم ألف مرة، وتعاود هي التشبث بي. تتحداني، تدق فوق دماغي ألف مزمار تطلب الخروج، فأكتب جملة هنا وسطر هناك عل هذه الشياطين تهدأ برأسي.لا تهدأ الشياطين ولا أستطيع أنا الصمود كثيراً فأحاول النوم.. وأفشل .. فأكتب.
أكتب ربما لإنني لا أقوى أن اعترف للعالم أنني مريضة بكآبة مزمنة، كآبة تغيم على وجودي كله كوحش كاسر يتحداني رغم أنني لا أواجهه ابداً. تختفي الكلمات من رأسي، في العربية والإنجليزية وأقف مشلولة لا استطيع صياغة جملة واحدة. أتهته في حديث مع صديقتي أو زوجي، فأتوقف للحظات أحاول أن أتذكر ما أريد أن أقول. لا أستطيع أن اتذكر الكلمات فأسكت. ربما الكتابة أسهل من الحديث في أيام مثل اليوم، ولكن ركاكة لغوي وضعف بنية ما أكتب هم تأكيد لفشل رأسي التام، حتى في الكتابة.
أعيش على طرف الحياة. لا أرى فيها من متعة سوى أنني مازلت على قيد الحياة. لم أعد استمتع بأي شيء مما أستمتعت به قبلاً. كنت أحب الليالي القصيرة، الباردة، بجانبي كوب اللبن ومسلسلي المفضل. أقوم بكل الترتيبات اللازمة لأستعيد لحظات السعادة تلك، وأفشل. أقوم بطبخ تلك الأكلة التي أحبها، أنتظر في لهفة حتى أنتهي وحين أنتهي من تناول الطعام لا أشعر بأي رضا، بل ربما أشعر برغة في التقيؤ.. لم يعد أي شيء يعطنى أي بهجة هذه الهوة السحيقة من إنتظار النهاية ..
لا اعرف ماذا قد ننتظر بعد الحياة، ان كان هناك أي شيء اصلاً. هذا اليقين أن الحياة ستتركني وستحصد أحبتي، يسيطر على كل فكرة في كل لحظة. لا أخرج منه سوى للغناء، الغناء للحياة التي لا تحبني بقدر ما أحببتها. لوقت طويل ظننت وظن البعض ممكن يعرفونني أنني أعيش ميلانخوليا مزمنة. أرى الحياة من خلف وشاح أسود يضفي عليها القليل من الجمال كجنازة في يوم بارد ممطر. يقولوان أن من يعايش الميلانخوليا يفكر كثيرا، يحلل كل الأمور، ويسعى للكمال، بينما أظن أنا أنني أعيش حالة من البؤس الخالص الذي لا مفر منه. لا أتوقف لحظة عن التفكير، رسم السيناريوهات، لا أتوقف عن العمل، عن الإهتمام بالأخرين حد المرض، احاول مراراً أن أتوقف وعقلي للحظات قليلة جدا عن التفكير، أو الشعور الدائم بإن عليّ فعل شيء ما، أنني نسيت شيء ما، انني قصرّت في مهمة ما، دون أدنى نجاح. أعيد كرة يومي كاملاً في أحلامي حيث أكمل مهمام العمل، أكتب، أطلب المشتروات، إلى أخره. أستيقظ حين أفشل في إنهاء مهمة ما، لإنام مرة أخرى وأفشل مجدداً.
راستن كوول
ربما أكتب لإنني أود أن أتخلص من الأمل. الحياة تصارعني وأصارعها. تقتلني كل يوم وكأنها عدوتي اللدودة. أنا ورأسي كقضبان قطار، أحدهم راستِن سبِنسر كووَل والأخر جاندالف ذا جراي، تستضيفهم روحي التي تعذبها ميلانخوليا سوداء. يتصارعان كأعتي نقيضين فلا أعد أعرف من أنا. اليوم أود أن أتخلص من جاندالف ذا جراي. أتساءل يومياً عن ماهية الحياة، عن معناها وعن المعنى مجرداً. قضيت عاماً كاملاً انبش عن المعنى في كل ما أفعل، عن معنى الوجود ووجودي خاصة. عاماً في خلوة أتعرف فيها على ذاتي، وظننت أنني عرفت. ظننت أنني وضعت يدي على تلك الكلمة السحرية ولكن كان للحياة رأي أخر.
ما هي الحياة سوى لحظات منفصلة من محاولات بائسة للحد من الألم؟ ملهاة لا نهائية من التعاسة لا حول لنا ولا قوة فيها سوى رغبة واحدة، ألا نتألم.. وفي عمق هذه الرغبة يدور كل شيء. في عمق هذه الرغبة يُذهب البعض حاضرهم بدخان، برقصة، بالجنس، وبينما يحاول هؤلاء هناك بعض أخرين - أكثر بؤساً - يحاربون الحياة وقوانينها. سنوات تمر وأنا في أدور في فلك هذا البؤس، أحارب معطيات الحياة بينما أغرق في حبها كل يوم أكثر. كل يوم بل وكل ساعة من هذه الحرب أصل ليقين أن هذه الحياة لا معنى لها، مجرد سلسلة طويلة من العبث اللانهائي، لا نهاية لها ولا بداية. خط طويل من اللاشيء والذي يحدث خلاله كل شيء. لا أعرف لماذا لا يرفض جموع البشر الموت؟ أعرف أن هذه الفكرة لا معنى لها أيضاً ولكن ربما، هناك أمل ولو متناهي الصغر، ان قمنا جميعا، رافضين الموت، معلنين أننا لا نقبل أن تنتهى بنا هذه الملهاة البغيضة دون رغبة منا، ربما وقتها سيتغير شيء ما؟ لا أعرف لماذا نقبل الموت، ولا أعرف ما قد يمكن أن نفعل أن رفضناه جمعاً ولكنني أعرف أنني لم أقابل شخصاً قد يختار الموت أن أٌعطي الأبد.
شاهدت منذ أيام مسلسل إله الحلم، والذي أعطى - بمساعدة أخته - عمر لا نهائي لأحد البشر، والذي لم يمل من الحياة كما توقع الحلم. انا أيضاً لن أمل الحياة، ولا أظن سيمل أحبائي. كيف يتصالح أي منا مع الموت إن كنا لا نعرفه، وكيف نتصالح مع تصور أن هذه النهاية هي نهاية كل شيء. ما معنى الحياة إذ تنتهي؟ ما معنى كل شيء إذ ينفذ، يختفي، لا يعد موجوداً.
ما معنى وجودنا دون بعضنا البعض؟ هل وجودنا هو نتيجة حتمية لخبرات أباءنا، أم انه مزيج من خبراتنا ومن الأشياء التي نتعلمها في الطفولة وطوال رحلة الحياة؟ هل نحن القناعات والأفكار والمبادئ التي نحاسب أنفسنا عليها؟ قبل كل شيء أعتقد أننا في الأساس ما نعني للآخرين. قبل كل شيء ، أنا ابنة وأخت وخالة وزوجة. ماذا نكون أن لم يكونوا الأخرين؟ كيف نتعايش مع الخواء الذي يتركه هؤلاء اللذين وجودهم هو جوهر وجودنا. في كل رحيل، تختفي كل هذه اللحظات اتي عشناها مع الأخرين، ينتهي هذا الجزء من وجودنا، ويحل محله خواء لا يجدي معه الصبر. ماذا قد أكون أن رحل احبائي؟ أنا منذ نظرت هذا العالم، إبنة. منذ لحظة الوجود، هذا ما نحن عليه، أبناء .. ماذا الذي قد يملأ خواء كهذا؟ حتما لا شيء سوى الحزن. لو أن هناك تقنية حديثة تجلعنا ننسى من رحلوا عنا، تجعلنا ننسى هذا الجزء من وجودنا، ونصير ما لم نكن، لأخترتها فوراً إن رحل احبائي. يقولون تعيش الذكرى، وهذا محض غباء لا معنى له نساعد به أنفسنا في عقلنة اللامعقول. تماماً كما خلُص البشر الى مقولة غبية وهي أن الموت هو الحقيقة الوحيدة. أحتقر كل ما قد يعطي للموت معنى فلا هو حقيقة ولا كذبة، هو دمامة الحياة ووجهها القبيح.
يقول فرانسيس بيكون أنه شيء طبيعي أن نموت، بنفس قدر أنه طبيعيا أن نولد. ما الذي يجعل شيء ما أو خبرة ما "أمراً طبيعيًا"؟ هل الطبيعي هو شيء نتقبله لإننا نشعر به ونعرفه؟ أو الطبيعي ما نستطيع أن نوصفه من خلال المشاعر؟ الشيء الذي يجعلنا سعداء هو شيء طبيعي ، الشيء الذي يجعلنا متعبين هو شيء طبيعي، ماذا عن ما يجلعنا نحزن؟ أهو شيء طبيعي؟ لا أعرف شيء قد يسبب الحزن أكثر من الموت. أظنه السبب الأعظم للحزن. ما الذي يجعل الحزن طبيعيًا؟ تساءلت عما يمكن أن يخلق مثل هذا الشعور الهائل والمروع والساحق من الحزن ، قدر الموت. لا أعرف لماذا نموت ولا أعرف لماذا لا تنكب جهود البشر على شيء واحد فقط وهو ألا نموت.
راستن كوول 2
استيقظ قبل بدء ساعات العمل بوقت قليل، لا أفكر في شيء سوى شرب القهوة والجلوس إلى مكتبي اتأمل في ملل الدقائق تمر. لم أرد الإستيقاظ، لا أريد العمل، لا أريد أن أتحدث للبشر عموماً، لا أريد شيء ولكن ها نحن ..
منذ قرب العام أهملت حديقتي الصغيرة، لم أعرف كم اصابني عزوفي عن أشجاري هذا من حزن إلا حينما أدركت فجأة ذات يوم إنني لم أر أشجاري منذ شهرين. أجلس كصنم أمام المكتب أراقب الإيميلات تتساقط في بالوعة الإنبوكس كأمطار شهر نوفمبر في طفولتي. أفتح هذا الإيميل المرسل اتوماتيكياً: طفل يموت كل عشرة دقائق في اليمن، الكوليرا وحمى الضنك في إزدياد. أعيد تحميل الملف في فولدر اليمن، ليجلس في راحة أبدية مع ملفات تعيسة أخرى. لا اتأمل تحليل الوضع، ولا الملف، ولا أخبار اليمن .. أرُصها برأسي بجانب أخبار جنوب السودان والكونغو كينشاسا. أضغط على السهم لإيميل اوتوماتيكي أخر عن أخر اخبار جنوب السودان واخر اخبار بلوة المناخ في الصومال. أنتهي من القهوة وأركض نحو المأمول. نعم، عليّ - كما باقي العباد - أن ابدأ يوم عملي الذي يستمر 12 ساعة يومياً حتى لو ابتدأ بأخبار مريعة يجب أن يتوقف عندها العالم كله. المأساة هي جزء من وجودي الأن. أنا والمأساة اصبحنا كتلة واحدة، صماء، لا تتحرك. اليوم عليا أن أراجع 6 مشاريع وثلات تقارير وأقوم بثلاث جلسات من التوجيه التقني لشباب المأساة. أقوم بعملي بمنتهى التفاني، وكأنني أنا والمأساة لا نعرف بعضنا البعض. أستيقظ على نفس السؤال كل يوم، ما فائدة كل هذا؟ ويرد رأسي الغبي: ربما أن هناك فائدة. كل يوم أردد لنفسي "مفيش فايدة"، ليحاربني صوت أخر وكأنه يتحداني "يمكن في". يمكن في، هذا النير فوق رأسي، يجرجرني كل يوم، كل صباح محاولاً إقناعي أنه ربما سيتغير شيء ما. اقول لنفسي أن هذا الطفل هناك في هذا البلد البعيد قد ترك الجيش والأن يعيش حياة أفضل، ثم أسأل نفسي، أين؟ هذه الأرض لا يوجد بها أفضل .. مازال هذا الطفل يعيش في جنوب الكرة الأرضية، حيث ندرة الغذاءـ النزاع المسلح، والأوبئة .. نير السوداويين هو الأمل.
ربما هي الميلانخوليا، أو أنني برج العذراء، أو أنني تربيت في بيئة تشجع التفكير والتحليل والنظام، وربما هي رأسي التي لا تتركني، ولكنني أعرف أن هذا الماراثون برأسي يساعدني كثيراً في عملي، تحليل الصراع، العمل على انهاء الأسباب الجذرية للعنف ضد الأطفال في الحروب، مركزيو جماية المدنين، كلها أشياء أبرع فيها بسبب طاقة التفكير التي لا تنتهي. نفس الطاقة التي تأخذني إلى هوة سواد البشرية، إلى اقذر اعماق عنف الإنسان، تأخذني إلى الوحشة حيث أنا فقط هناك وطفل صغير لم أستطع أن أنقذ، حيث أنا والعالم نتناحر، انا هنا ألطم وده العالم كل يوم أطلب منه أن ينتبه، أن يتوقف .. دون جدوى. أظن اننا نموت حقاً في كل ثانية يُقتل فيها طفل بينما أنا وأنت والأمير تشارلز نشرب الشاي دون التفاتة واحدة.
جاندالف
أي فائدة؟ لا أعرف. ولكن جاندالف برأسي يملأني كل يوم بأمل ما .. يستعبدني الأمل، فأنا لا أريده. يأتي كل يوم في صورة مختلفة تغازل بحثي عن المعنى .. أسأل نفسي كل يوم هل تحول وجودي ومعناه إلى مجرد ترس في عجلة من فشل الإغاثة الإنسانية؟ أحارب كل يوم افكار التفوق العرقي وعُقد المواطن الأبيض منقذ العالم. أستمع لزملائي في هذا الإجتماع يتساءلون عن القدرات التقنية للشركاء المحليين وفي نفس الوقت، يرددون التزامهم بمحلية العمل الإنساني. اتساءل في تململ واضح أن كان الشركاء المحلييين يواجهون صعوبة في الإنخراط في "السيستم" فربما المشكلة هي السيستم وليست قدراتهم التقنية؟ يقول لي رأسي الجاندالف إن هذا هو الأمل. أن وجودي في هذه الإجتماعات، بتعلقياتي السوداوية ولساني اللاذع، هو الأمل .. أضحك على نفسي ومن نفسي كأن كأباتي ستغير العالم. لا أظن، ولكن جاندالف.. لا أعرف معنى أخر للحياة سوى أننا كبشر، نتشاركها ولإننا نتشاركها، علينا ان نعمل من أجل بعضنا البعض، من أجل الأمل، الحب، من أجل الحق في الحياة، في الحماية، في التعليم.. لا أعرف معنى للحياة ولكنني أعرف ان معناها يجب ألا يرادف الظلم والعدوان .. أيا كانت المأساة، فنحن هنا، فوق هذه الأرض .. كيف تستمر الحياة بينما يجري بعض النازحين هنا وهناك هرباً لحياتهم.
يقول فيكتور فرانكل في بحثه، وربما بحثي أنا أيضاً عن المعنى، ان "كل شيء قد يُسلب من الإنسان، ماعدا حريته في اتخاذ موقف محدد في ظروف معينه، حريته في اختيار طريقه الخاص". لا أعرف ان كنت حرة بعد اليوم. أخترت طريقاً منذ أكثر من عشرة سنوات وأشعر أنني اليوم مكبلة ببحثي عن المعنى، مكبلة بطريقي الخاص، بالمسئولية التي تحدث عنها فرانكل، مكبلة بالأمل أننا غداً سنكون هنا على هذه الأرض الخربة، نعمرّها.
يبدو الوضع في قمة العبث حين يقول لي أحدهم أن حديثي معه يبعث على الأمل، أو أنني ألهمته/ـا للقيام بشيء أو مغامرة ما. اضحك من نفسي ومن هذا الجاندالف البائس برأسي، وكأنه يأبى أن يدمر عقلي بسلسلة الأمل تلك، فيقوم - من خلالي - بإلهاء الأخرين. قالت لي صديقة عمل ذات مرة أنني ألهمتها. قلت لها انني أضحك من هذه الجملة، تذكرني بالحملات على فيسبوك والتي تظهر بعض الأشخاص والسعادة تبدو على وجوههم والنشاط قبل أن يقوموا بإنهاء حياتهم بأيام قليلة بسبب الإكتئاب. لا أعرف لماذا قد أكون سبب في بعث أمل من أي نوع على أي شخص سوى بسبب هذا الجاندالف بعقلي، والذي أكرهه.
------
اليوم أفكر في أحدى صديقاتي. فقدت شخص عزيز لديها ولم أستطع أن أقول أي شيء. أتوحد بمشاعري من أحب حتى أنسى من أكون. يأكلني الحزن وكأنني هناك داخل أجسادهم. أتذكر جيدا حين كنت هناك، في لحظة عشوائية من الزمن أساعد تلك الطفلة المسكينة تنطر هذا الطفل الميت من أحشائها حتى أتممنا معاً المهمة، خرجت من الغرفة وفي نفس اللحظة سقطت. لإسبوعين بعد هذه الحادثة كانت أحشائي تتمزع وكأنني أنا من كانت تلد. ربما لهذا السبب قررت ألا أركز عملي على العنف الجنسي. العنف ضد الأطفال أكثر قسوة، لا أعرف. اليوم يزورني طيف صديقتي وألامها. قررت أن أطلب أجازة وأشاهد ملك الخواتم، حيث جاندالف، والأمل.
------
اليوم اتأمل كارثة المناخ وأطفال الحارة. كل يوم أواجه الله بسؤال عن المساواة. نفس الإله الذي عقدت معه شراكتي في بحثنا عن المعنى. الأطفال لم يولدوا متساوون أبداً. هناك طفل بائس حزين ولد لإمرأة يزيدية اُغتصبت وتركته على أعتاب الموصل، لتصل أخباره إلى مكتبي وأجدني أجري يمينا ويسارا أحاول وزملائي أن نضمن له يوم أخر في هذا العالم. كيف يتساوى هذا الطفل مع اي طفل أخر في العالم. التعاسة والظلم البين هذا لا مفر منهم. يأكلني هذا الشعور بالعجز، بالظلم. اتساءل لماذا لا يتوقف العالم. كيف أستيقظ كل يوم ويستيقظ معي العالم دون أدنى مبالاة بكل هذه التعاسة.
مثل فولدمورت اترك جزء من روحي في كل مأساة أو كارثة عشت فيها أو عايشتها عن قرب، حتى أن روحي صارت مُهجرة، لاجئة، مشردة في مخيمات، لا حول لها ولا قوة. في كل لحظة أترك جزء من روحي مع أحبتي، حتى صارت روحي مريضة، عجوز، بلا أمل، بلا رغبة في أي شيء. هذه الكتابة ليست مرثاة لنفسي أو لروحي المهشمة أو لبحثي الحثيث عن معنى، أنها فقط تجسيد لمسألة الوجود التي لا تترك رأسي. لإسئلة المرض النفسي الذي ينهش أجسادنا الصغيرة. ربما وُلدت بصك كتب عليّ فيه الميلانخوليا والكآبة السوداء، أو ربما تقسو علينا الحياة أكثر مما يجب، أو ربما أننا في طفولة منا مازلنا نحاول .. دون فائدة.
هل نكره هذا العالم أم نحبه بلا أمل؟